ما الذي يعنيه حظر عمل الأونروا في غزّة والضفة الغربية بالنسبة للفلسطينيين؟

    • Author, رضا الماوي وزياد غندور وفرناندو دوارتي
    • Role, بي بي سي

دخل قرار الحكومة الإسرائيلية حظر عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" حيز التنفيذ اليوم الخميس.

واضطرت الوكالة إلى نقل موظفيها الدوليين من مكتبها في القدس الشرقية، بعد أن قررت السلطات الإسرائيلية تقليص فترة تأشيراتهم وأصدرت قرارا يحتم على الوكالة إغلاق مكتبها في المدينة.

كان الكنيست الإسرائيلي قد أقر قانونا بهذا الشأن في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدعوى وجود عناصر من حماس بين اعضاء المنظمة.

وستمنع إسرائيل الأونروا من العمل على الأراضي الإسرائيلية والقدس الشرقية المحتلة، كما ستمنع التواصل بينها وبين المسؤولين الإسرائيليين، وهو أمر ضروري للغاية من أجل تمكن المنظمة من تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، إذ تسيطر إسرائيل على كل المعابر المؤدية إليهما.

وعبّرت منظمات إغاثة ودول من بينها فرنسا وبريطانيا وألمانيا واليابان، عن قلقها البالغ إزاء هذه الخطوة الإسرائيلية، وقالت إنّ ذلك سيؤدي إلى عواقب وخيمة على الفلسطينيين، وبشكل خاص أولئك الذين يعيشون في غزّة ويعتمدون على مساعدات وخدمات تقدمها الوكالة.

لكن، ما الذي يعنيه حظر الأونروا للفلسطينيين، ولماذا تعترض إسرائيل منذ وقت طويل على عمل المنظمة؟

بعد مرور أكثر من عام على حرب غزّة، لم يعد الصراع المسلّح فقط ما يقلق جمانة عماد، وهي أمّ لطفلين، إذ أصبحت تعيش في صراع دائم للحصول على طعام وماء وسلع أساسية أخرى.

جمانة - وهي صحافية (26 عاماً) - تعيش في خان يونس جنوب غزة، وتقول إنّ الوضع حالياً أسوأ مما كان عليه طيلة فترة الحرب.

وتوضح: "ليس هناك طعام أو شراب. لدي طفلة بحاجة ماسّة إلى أشياء كثيرة، لكن لا يتوفر منها شيء واحد".

مثل جميع سكّان غزّة تقريباً، اعتمدت جمانة على المساعدة وخدمات أخرى قدّمتها الأونروا - التي يصفها البعض بأنها شريان حياة للفلسطينيين – قبل الحرب وخلالها.

وتأسست الأونروا عام 1949 بهدف تقديم الرعاية لـ750 ألف فلسطيني، أجبروا على مغادرة منازلهم أو الفرار منها بعد قيام دولة إسرائيل، لتصبح الأونروا لاحقاً أكبر وكالة إغاثة في الأراضي الفلسطينية، حيث توظّف 13 ألف شخص في الداخل وأكثر من 30 ألف شخص في الشرق الأوسط.

وفي المجمل، تتكفل الوكالة بنحو 5.9 مليون لاجئ فلسطيني مسجّل في أنحاء المنطقة، بما في ذلك الأردن ولبنان وسوريا.

وبالإضافة إلى الغذاء و السلع الأساسية الأخرى، تقدم الأونروا مجموعة من الخدمات عبر السلطات الحاكمة، مثل التعليم والرعاية الصحية وأعمال الطرق، وحتى منح القروض لروّاد الأعمال الفلسطينيين.

لكنّ الوكالة حذّرت من أنّ عملها في غزّة والضفة، بما في ذلك القدس الشرقية، قد يتوقف بالكامل، في حال دخول الحظر – الذي أقرّه أغلبية مجلس النواب الإسرائيلي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي – حيز التنفيذ في 28 يناير/ كانون الثاني وفق المخطط.

القرار الذي تمّ تمريره داخل الكنيست - بموافقة 92 عضواً ورفض 10 أعضاء فقط – جاء بعد اتهام الحكومة الإسرائيلية المتكرر لموظفين في الأونروا بالتواطؤ مع حركة حماس خلال هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

وتقول الأونروا إنّ أي اتفاقات مع حركة حماس، كانت بهدف تمكين الوكالة من القيام بعملها، وإنّ إسرائيل لم تقدم أدلة تثبت مزاعمها حول انتماء عدد من موظفيها إلى منظمات إرهابية.

وتحكم حماس قطاع غزّة منذ السيطرة عليه وإنهاء حكم حركة فتح المنافسة لها في يونيو/حزيران 2007.

وفي حين ينصّ القانون الجديد على حظر عمل الأونروا في القدس الشرقية وإسرائيل، فإنه يقضي أيضاً بمنع موظفي الوكالة من العمل مع المسؤولين الرسميين الإسرائيليين.

وعملياً، تقول الأونروا إنّ القرار سيجعل عملها في غزّة والضفة الغربية المحتلة مستحيلاً، لأن الوكالة تعتمد على الاتفاقيات مع إسرائيل لتتمكن من العمل – بما في ذلك نقل المساعدات عبر حواجز التفتيش بين إسرائيل وغزّة.

وإلى جانب الهلال الأحمر الفلسطيني، تتولى الأونروا توزيع جميع المساعدات تقريباً، من خلال 11 مركزاً في غزّة.

وتقول الأونروا إنها قامت بتوزيع طرود غذائية على ما يقارب 1.9 مليون شخص منذ بدء الحرب في غزّة – وهي عمليات إمداد أصبحت أكثر حيوية مع ارتفاع سعر المواد الغذائية الأساسية مثل الدقيق.

مدير شؤون الأونروا في الضفة الغربية رولاند فريديرك يقول إنّ "دخول القانون حيّز التنفيذ، يعني على الأرجح توقّف عمليات الأونروا في الضفة الغربية - بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة – وقطاع غزّة".

ويضيف أن "ذلك يعني أنّ أكثر من 47 ألف طفل فلسطيني دون مدرسة، وحرمان أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني يحصل على خدمات طبية من هذه الخدمات".

التعليم في خطر

وتوفّر الأونروا التعليم للفلسطينيين منذ عام 1950، وهو تاريخ إنشاء أولى مدارس الوكالة.

وتدير الآن مئات المدارس في غزّة والضفة الغر بية والأردن ولبنان وسوريا.

لكنّ مستقبل مدارس الأونروا في الأراضي الفلسطينية بات غامضاً الآن.

واستخدمت العديد من المدارس في غزّة كملاجئ مؤقتة للنازحين الفلسطينيين خلال الحرب.

وتقول الأونروا إنّ نحو 70 في المئة من مدارسها في غزّة أصيبت خلال الصراع – بعضها تعرضّ للتدمير والبعض الآخر تضرّر بشدة - وتشير المنظمة إلى أن 95 في المئة من المدارس التي أصيبت كانت تستخدم كملاجئ للنازحين الفلسطينيين.

تعمل دعاء زوربا معلمة في مدرسة الأونروا للفتيات في شعفاط في القدس الشرقية منذ عشرين عاماً.

وتقول: "حين سمعنا الأخبار (بشأن الحظر) لأول مرة، سألنا الأهالي مباشرة عن التأثير المحتمل على أطفالهم".

وتضيف: "لم يكن أمامنا سوى أن نقول لهم أن الوضع خارج عن سيطرتنا".

المدرسة التي تعمل فيها دعاء توفر التعليم لـ1500 طالب، وهي واحدة من ثلاث مدارس في مخيم شعفاط للاجئين – المخيم الفلسطيني الوحيد الواقع ضمن نطاق بلدية القدس.

وتحدثت دعاء عن قلق متزايد لدى الطلاب وذويهم بشأن احتمال إغلاق المدارس، وتوضح أن "الأطفال الأكبر سنّاً قد يتفهمون الوضع، لكن الأطفال الأصغر سناً يسمعون غالباً أمهاتهم يتحدثن عن احتمال إغلاق المدارس، ويشعرون بالقلق".

وتضيف: "أنا متعلقة للغاية بالأطفال، فهم يحتاجون إلينا لأننا ملجأهم".

أحد الأهالي قال إن إغلاق المدارس التي تقدم التعليم مجاناً، سيكون "كارثياً" على المجتمع.

عقود من الخصام

زعمت إسرائيل في يناير/كانون الثاني 2024 أنّ 12 موظفاً من الأونروا شاركوا في الهجمات على مناطق جنوب إسرائيل، التي أدت إلى مقتل 1200 شخص واحتجاز 251 آخرين كرهائن.

وعلّقت عدة دول، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا تمويلها للوكالة الأممية نتيجة تلك المزاعم، لكنها تراجعت لاحقاً عن قرارها باستثناء واشنطن.

وقد أجرت الأمم المتحدة تحقيقاً حول مزاعم اسرائيل بمشاركة 19 موظفاً من الأونروا في الهجمات، وخلص التحقيق إلى أن تسعة منهم ربما شاركوا في الهجمات وقررت المنظمة إنهاء تعاقدها مع من هم على قيد الحياة من الموظفين الـ 19.

وزعمت إسرائيل لاحقاً أنّ أكثر من 450 موظفاً في الأونروا، على علاقة مع منظمات إرهابية، لكن الأونروا نشرت مراجعة في أغسطس/آب كشفت أنّ إسرائيل لم تقدم أدلة قطعية تثبت مزاعمها.

ورغم ارتباط قرار الحظر بهجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن إسرائيل طالما انتقدت الوكالة.

ومن بين أحد أكثر الانتقادات الإسرائيلية للأونروا، هو أنّ الوكالة تسمح بتوريث صفة لاجئ للأجيال الفلسطينية القادمة، ما قد يحفز آمالهم بالعودة إلى ديارهم في فلسطين التاريخية، التي يقع جزء منها حالياً في إسرائيل.

يقول يولي إدلشتاين، أحد الأشخاص الذين قاموا بصياغة مقترح قانون الحظر، وعضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني الذي يترأسه نتنياهو، إنه "ليس هناك شكوك كبيرة حول أنّ الأونروا ليست جزءاً من الحلّ، بل هي جزء من المشكلة".

وتولى إدلشتاين ج عدة مناصب في الحكومات السابقة، ويقول إنّ الوكالة "ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحماس"، بينما تؤكد الأونروا أنها تعمل مع حماس فقط على "المستوى العملياتي"، باعتبار أن الحركة هي الحاكم الفعلي في غزّة.

ويضيف: "إن الأونروا مسؤولة إلى حد كبير عن حقيقة أنه بدلاً من محاولة إعادة بناء جيل كامل من الشباب الفلسطينيين، تركتهم على شكل لاجئين بائسين".

وبحسب القانون الدولي، يصنف أبناء اللاجئين وأحفادهم أيضاً كلاجئين إلى حين التوصل إلى حلّ دائم.

وقالت الأونروا إن حقيقة استمرار وجودها بعد 75 عاماً على إنشائها، "لم يكن خياراً من قبل المنظمة، بل نتيجة فشل جماعي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة لإيجاد حلّ مشكلة سياسية".

وندّدت الحكومة الإسرائيلية مراراً بطريقة تعليم الأونروا وكتبها المدرسية التي – بحسب وجهة النظر الإسرائيلية – تروّج لنظريات معادية لإسرائيل.

وفي عام 2022، قالت منظمة المراقبة الإسرائيلية IMPACT-se إنّ المواد التعليمية في مدارس الأونروا تعلّم الطلاب أنّ إسرائيل تحاول "محو الهوية الفلسطينية".

وحدّدت المفوضية الأوروبية ما وصفتها بأنها "مواد معادية للسامية" في الكتب المدرسية التابعة للسلطة الفلسطينية، ودعا البرلمان الأوروبي بشكل متكرر لربط شروط تمويل الاتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينية - التي تدير جزءا من الضفة الغربية - بإزالة هذا المحتوى.

وتقول الأونروا إنها تقوم بمراجعة "منتظمة ودقيقة" لجميع الكتب المدرسية ومواد التعلم المستخدمة في مدارسها، "لضمان توافقها مع قيم الأمم المتحدة ومعايير اليونسكو، وتسويق التميّز التعليمي وتعزيز التسامح وحقوق الإنسان".

مستقبل قاتم؟

وليس واضحاً بعد كيف سيتمّ تعويض الأونروا في غزّة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وهناك مخاوف من عدم وجود منظمّة مجهّزة لملئ هذا الفراغ.

وقال أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في يوليو/تموز "ليس هناك بديل" عن المنظمة.

وحتى قبل اندلاع الحرب، وفق ما تظهره أرقام الوكالة، اعتمد أكثر من ثلثي الفلسطينيين من سكان غزة حصراً على المساعدات الإنسانية للعيش، نتيجة الحصار التي تفرضه إسرائيل منذ عام 2007.

وبعد إقرار قانون حظر الأونروا، قال نتنياهو إنّ "المساعدات الغذائية المستدامة يجب أن تبقى متاحة في غزّة"، وإنّ إسرائيل ستعمل مع شركائها الدوليين لضمان ذلك.

وتساءل عدد من المنظمات الإنسانية حول جدوى هذه الخطة، لا سيما مؤسسة الصليب الأحمر الدولية.

في غضون ذلك، يعيش أهل غزّة مثل جمانة عماد، في حالة من عدم اليقين حول من أين ستأتي المساعدة بعد توقف الأونرو!.

وتقول جمانة: "بصدق، لا نستطيع تخيّل حياتنا دون الأونروا، من سيوفر لنا المساعدة الغذائية؟ وأين سيتعلم الأطفال؟".

وتؤكد أنه "إذا قُطعت هذه الخدمات، سيصبح الوضع كارثياً".