تفاصيل المواجهات الدامية في الساحل السوري

صدر الصورة، EPA
- Author, ديما ببيلي
- Role, بي بي سي نيوز
تحولت الهجمات التي استهدفت قوات الأمن السورية في الساحل إلى شرارة فجرت موجة من أعمال العنف، تجاوزت المواجهات العسكرية بين الجيش الجديد وأتباع النظام السابق، لتأخذ بعداً فيه انقسامات وُصفت بالطائفية أودت بحياة المئات.
وعلى الرغم من أعلان وزارة الدفاع السورية انتهاء العمليات العسكرية في الساحل، في محاولة لفرض حالة من الاستقرار. إلا أن التوتر لا يزال قائماً، مع استمرار الاشتباكات المتفرقة وتصاعد أعمال العنف، ما يهدد بانفجار جديد في أي لحظة. فكيف بدأت هذه الأحداث، وكيف تحولت إلى واحدة من أكثر المراحل دموية منذ سقوط الأسد؟
البداية: الهجوم في بيت عانا
بدأت الأحداث في قرية بيت عانا بريف جبلة في محافظة اللاذقية، عندما أطلق مسلحون مجهولون النار على دورية عسكرية تابعة للأمن الداخلي.
وتكتسب هذه القرية أهمية خاصة، إذ تعتبر مسقط رأس اللواء سهيل الحسن، قائد الفرقة 25 سابقاً، الذي كان من أبرز قادة الجيش السوري في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد.
قالت قوات الأمن إنها ردت على الهجوم على دوريتها بإرسال تعزيزات، شملت صواريخ رشاشة وطائرة مروحية، لمحاولة السيطرة على الوضع، إلا أن الأمور تصاعدت بسرعة، بعد أن شنت مجموعات مسلحة هجمات منسقة على عشرات المواقع في منطقة الساحل، مستهدفة مناطق في ريف اللاذقية وريف طرطوس وقرى جبلة.
سلسلة كمائن

صدر الصورة، Getty Images
ومع تصاعد التوتر، تعرضت قوات الأمن الداخلية لاستهداف في أكثر من عشرة كمائن خلال توقيت متزامن، أبرزها كان في ريف جبلة، حيث قُتل 13 عنصراً من الشرطة التابعة لوزارة الداخلية بحسب ما قالت السلطات.
وأمام هذا التصعيد، أصدرت وزارة الدفاع أوامر بالاستنفار الكامل لكافة القطع والثكنات العسكرية، وإرسال أرتال عسكرية نحو الساحل من عدة محافظات، أبرزها إدلب وريف حلب وحمص.
لكن هذه الأرتال تعرضت أيضا لكمائن قبل وصولها إلى اللاذقية، حيث نصب المسلحون الكمائن بين الأحراش، ما تسبب في خسائر كبيرة في صفوف الجيش.
ثم استعانت وزارة الدفاع بطائرات "الشاهين" المسيرة، التي نفذت ضربات مركزة على تحركات الجماعات المسلحة، ومع استمرار المعارك، أُجبرت بعض الأرتال العسكرية على تغيير مساراتها، بينما استمرت الاشتباكات العنيفة في مختلف الجبهات.
"المجازر والهجمات انتقامية"
مع حلول مساء 6 مارس/آذار، ارتفعت حدة العنف بعد خروج مظاهرات مضادة في إدلب وحمص وحماة ودمشق، حيث دعا المتظاهرون إلى حمل السلاح والانتقام لضحايا الأمن العام.
في اليوم التالي، وبعد وصول أرتال عسكرية إلى الساحل، بدأت القوات هجوماً على أماكن يُعرف أنها كانت تتبع للنظام السابق القرداحة وبانياس. إلا أن المشهد تغير بسرعة، حيث تحولت العمليات العسكرية إلى سلسلة من الهجمات وصفت حسب شهود عيان بالانتقامية، استهدفت في معظمها مدنيين، وأدت إلى مقتل المئات في مناطق مختلفة حسب روايات شهود عيان.
تركزت هذه الهجمات في المختارية والحفة بريف اللاذقية، إضافة إلى بانياس وحي الدعتور في اللاذقية، وامتدت إلى ريف القرداحة وجبلة وطرطوس. و روى شهود عيان وقوع عمليات "إعدام ميداني" استهداف العلويين بناء على لهجتهم أو بطاقاتهم الشخصية أو أصول قراهم، حيث قُتل العديد من الأشخاص دون أي ارتباط عسكري أو سياسي كما قال الأعالي. كما قُتل عدد من المدنيين السنة في مناطق مختلطة بالخطأ، ما عمّق من حالة الفوضى.
لم تسلم العائلات النازحة من إدلب من العنف، إذ أقدم مسلحون من أتباع النظام السابق على تصفية عائلات بأكملها على طريق اللاذقية-إدلب كما روى شهود عيان، حيث قُتل ركاب السيارات التي تحمل لوحات إدلب بشكل جماعي، ومن بين الضحايا عائلة كاملة مؤلفة من أربعة أطفال وأمهم وعمهم في ريف طرطوس.
إلى جانب ذلك، روى سكان بعض المناطق وقوع عمليات نهب وحرق، حيث أُضرمت النيران في منازل يشتبه في ولائها للنظام السابق، وسُرقت ممتلكات المدنيين السنة والعلويين في بانياس وجبلة. أمام هذه الفوضى، فرض الأمن العام حواجز على مداخل اللاذقية لمنع عمليات التهريب، وتمكنت السلطات من استعادة بعض الممتلكات وإعادتها إلى أصحابها.
يقول الأمن العام إنه بسط سيطرته على المناطق المتضررة، وأجبر المسلحين الذين ارتكبوا الانتهاكات على مغادرة القرى والعودة إلى ثكناتها.
لكن الساحل السوري لا يزال يعاني من تبعات هذه الهجمات الدامية، في ظل استمرار التحقيقات حول المقابر الجماعية والانتهاكات التي شهدتها الأيام الأخيرة.
من يقف خلف هذه التوترات؟
تتهم قوات الأمن السورية من تصفهم بــ"فلول النظام السابق" بالهجوم على دورياتها وتنفيذ العناصر ضد قواتها.
ومع استمرار المعارك، بدأ عدد من السوريين بتداول اسم العميد السابق في نظام الأسد غياث دلّا، أحد قادة الفرقة الرابعة المنحلّة، الذي أعلن تشكيل "المجلس العسكري لتحرير سوريا".
بينما قالت تقارير إعلامية، إن دلاّ تحالف مع قيادات سابقة في جيش النظام السابق بهدف "إسقاط النظام القائم".
كما برز اسم إبراهيم حويجة، رئيس المخابرات الجوية السابق في سوريا والمتهم باغتيالات بعهد حافظ الأسد، الذي قال مصدر حكومي إن قوات الأمن قامت باعتقاله خلال العملية العسكرية في جبلة.
كما أشارت قوات الأمن أيضاً إلى الضابط في النظام السابق سهيل الحسن، الذي قالت إنه المسؤول عن الجماعات المسلحة التي هاجمت الدوريات الأمنية.

صدر الصورة، Getty Images
احتجاجات وفرض حظر التجوال
بالتزامن مع الهجمات، خرج متظاهرون من الطائفة العلوية في طرطوس وجبلة وريف اللاذقية، دعماً للتحركات العسكرية المناهضة للحكومة الجديدة، ورفضاً لحكم أحمد الشرع في سوريا، بحسب ما هتف المتظاهرون.
وفي المقابل، شهدت المناطق الموالية للجيش السوري الجديد حالة من الغليان الشعبي، حيث تعالت الدعوات لحمل السلاح ومساندة القوات الأمنية والعسكرية في حربها ضد المهاجمين.
ومع تزايد حدة الاشتباكات، فرضت السلطات حظر تجول في اللاذقية وطرطوس بعد دخول قوات وزارة الدفاع إلى المدينتين، فيما استمرت المواجهات العنيفة باستخدام الأسلحة الثقيلة في المناطق المحيطة، بينما فكت القوات الأمنية الحصار عن جبلة التي أعلنت عن "تمشيطها" بعد انتهاء العملية.

صدر الصورة، Getty Images
تصاعد العنف والإعدامات الميدانية
ومع تصاعد العنف في المنطقة، ازدادت المخاوف من انزلاق الأحداث إلى صراع طائفي واسع.
إذ قال مصدر أمني لبي بي سي، إن القوات الأمنية عثرت على "حاجز أمني كامل تمت تصفيته ميدانياً في مدينة طرطوس"، حيث قُتل سبعة عناصر في وقت متأخر من ليلة الخميس، وعُثر على جثثهم صباح الجمعة بعد دخول أرتال وزارة الدفاع إلى المنطقة.
وفي مقابل ذلك قالت مصادر صحفية إن قوات أمنية نفذت إعدامات ميدانية في حق سكان بعض القرى العلوية المؤيدين للنظام السابق، من بينهم بعض المدنيين، منها في بلدة المختارية في ريف اللاذقية فجر الجمعة، كما أحرقوا عدد من المنازل التي يُعتقد أنها تعود لعناصر موالية للنظام السابق.
لكن وكالة الأنباء السورية نقلت عن مصدر أمني في وزارة الداخلية، إن "حشوداً شعبية كبيرة غير منظمة توجهت إلى الساحل، مما أدى لبعض الانتهاكات الفردية، ونعمل على إيقاف هذه التجاوزات التي لا تمثل عموم الشعب".
وبينما رجح البعض في البداية أن الهجمات كانت حركة مدعومة من الطائفة العلوية، إلا أن مصادر أمنية أكدت أن المقاتلين الذين شاركوا في الحملة ضد القوات الأمنية ينتمون إلى مختلف المحافظات والطوائف، وليس فقط العلويين.
التحقيقات
في محاولة للسيطرة على الوضع المتفجر، أعلنت الرئاسة السورية تشكيل لجنة تحقيق للكشف عن الأسباب والملابسات التي أدت إلى وقوع الأحداث الدامية، إضافة إلى التحقيق في الانتهاكات التي طالت المدنيين وتحديد المسؤولين عنها.
وبالتزامن مع بدء التحقيقات، أهابت وزارة الدفاع بالوحدات الميدانية الالتزام الصارم بتعليمات القيادة، محذّرة من أي تجاوزات، وأكدت أن أي انتهاك سيواجه بردّ حاسم. كما أعلنت السلطات أنها ستُخلي منطقة الساحل ممن لا صلة لهم بالعمليات العسكرية، مع إحالة المخالفين للقضاء.








